لقد كرس القانون الدولي حماية حقوق المواطنين في أراضيهم الواقعة تحت الإحتلال، فاتفاقية جنيف الرابعة الخاصة بحماية المدنيين الصادرة عام 1949، نصت في مادتها 49 على أنه: “القوة المحتلة لا يجب أن تنقل أو تحول جزءا من سكانها إلى الأراضي التي احتلتها”، كذلك البروتوكولين الإضافيين لاتفاقية جنيف الصادرين عام 1977، نصا على تحريم الإستيطان بشكل غير مباشر من خلال تجريمهما نزع ملكية
الإنسان بهدف تهجيره أو تشريده من بلده.
ونفس التوجه كرسه قبل ذلك الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عام 1948، حيث أكد في المادة 17 على أنه: ” لا يجوز تجريد أحد من ملكه تعسفا”. وكما هو معلوم أن حظر نقل السكان يرتبط ارتباطا وثيقا بحظر الإستلاء على الأراضي كما ورد في ميثاق الأمم المتحدة، لأن الإحتلال ما هو إلا حالة واقعية غير مشروعة فرضتها إحدى الدول على إقليم دولة أخرى لانتصارها في النزاع المسلح الذي نشب بينهما وتتمكن بمقتضاه الدولة المنتصرة من السيطرة الكاملة على إقليم الدولة المنهزمة أو على جزء منه وتقوم سلطاتها العسكرية بإدارة الإقليم في إطار الالتزام القانوني
بالحقوق والواجبات تجاه السكان المدنيين وممتلكاتهم بالإقليم المحتل.
وعلى هذا الأساس فإن أي نوع من نقل مواطني دولة الإحتلال إلى الدولة المحتلة بغية الإستيطان سواء بشكل طوعي أو قسري يعتبر انتهاك للقوانين الدولية المعمول بها. وعليه نقول أن كل ما قامت به سلطات الإحتلال الإسرائيلي أو ما تتوعد القيام به بخصوص سياستها الإستيطانية؛ في الأراضي الفلسطينية المحتلة يعتبر انتهاكا جسيما لقواعد القانون الدولي، مما يستوجب معه أولا وقف كل عمليات الإستيطان من جهة، ورد الحقوق لأصحابها من خلال تفكيك كل المستوطنات المدنية القائمة على الأراضي المحتلة،
مع دفع التعويضات اللازمة وإعادة الحال إلى ما كان عليه، من جهة أخرى. وهو الأمر الذي نصت عليه العديد من القرارت الأممية، نخص بالذكر منها القرار رقم 446 الصادر عن مجلس الأمن المكلف بحماية الأمن والسلم الدوليين عام 1979، الذي دعا فيه سلطات الإحتلال الإسرائيلي إلى الكف عن نقل سكانها إلى الأراضي الفلسطينية، كذلك القراررات 452،471،476…التي أكدت على أن المستوطنات غير
شرعية.
من خلال كل ما تقدم نخلص إلى أن قضية الإستيطان قد حسم فيها القانون الدولي، وبالتالي محاولة الالتفاف على القوانين الممارسة من طرف سلطات الإحتلال الإسرائيلي، هي
محاولات فاشلة تبتغي شرعنة عمل غير مشروع. مما يحيلنا من جديد على تساؤلات عدة لطالما أسالت الكثير من المداد نخص بالذكر
منها: مبدأ السيادة وإلزامية القانون الدولي. كذلك من مخرجات ما تقدم مناقشته هو أن محاولة “شرعنة الإستيطان” من شأنها تأزيم الأوضاع الإنسانية في المنطقة عوضا عن الوصول إلى حل سلمي دائم.
د. محمد النادي
مستشار قانوني بالمنظمة
العربية للهلال الأحمر والصليب الأحمر