الرئيسية / دراسات / الواقع الافتراضي والواقع المعزز لخلق فرص تعليمية عادلة لأبناء اللاجئين في المخيمات

الواقع الافتراضي والواقع المعزز لخلق فرص تعليمية عادلة لأبناء اللاجئين في المخيمات

عبدالرزاق محمد نور أمان
مساعد المشرف على مركز المعلومات والدراسات والتوثيق بالمنظمة العربية للهلال الأحمر والصليب الأحمر

إن العملية التعليمية بشكل عام هي عملية توصيل المعلومة وتزويد الطلبة بالخبرات، وتحتاج الى أدوات لإكمال هذه العملية وهي الأستاذ المحاضر والمكان والأدوات، ومن المعروف أن من أهم الاشياء التي يمكن أن تساعد في دعم العملية التعلمية تتمثل في توفير الأدوات اللازمة لبناء فصل نموذجي لمساعدة المحاضر على إتمام عملية توصيل المعلومة للطلبة.

هذه الأدوات المساعدة من معامل ومراكز تدريب وأجهزة ومعدات تثري الجانب العملي للعملية التعليمية، وتوفيرها يعتبر التحدي الأول والرهان الأساسي لأي وزارة تعليم في أي دولة في العالم بسبب تكلفتها العالية جدا واحتياجها لعناصر فنية دائمة لتركيبها ومتابعتها وصيانتها، فما بالك صعوبة توفيرها لطلبة مخيمات اللاجئين !!.

إن التقنية الحديثة التي شهدت تقدماً ملحوظاً يمكن استخدامها في تغطية الجانب العملي للعملية التعلمية داخل مخيمات اللاجئين بتكلفة زهيدة تعطي فوائد كثيرة جداً؛ بخلاف ما كان في السابق من استحالة الحصول عليها بدون صرف ميزانية ضخمة وكوادر بشرية كثيرة، وهذا عن طريق الاعتماد على تقنيات الواقع الافتراضي والواقع المعزز في العملية التعليمية.

إن مفهوم الواقع الافتراضي هو عالم خيالي يطبق محاكات الحاسوب للبيئة التعليمية الحقيقية، وتم تصميم الواقع الافتراضي بشكل محترف بحيث يصعب على المستخدم التفريق بين العالم الحقيقي والعالم الافتراضي, وتتمثل طريقة الوصول الى العالم الافتراضي في ارتداء نظارة أو خوذة خاصة، ومؤخرا تطور ذلك إلى قفازات خاصة تعطيك الشعور بلمس الأشياء الافتراضية التي تمت محاكاتها .

أما الواقع المعزز فهو عبارة عن دمج الواقع الافتراضي مع الواقع الحقيقي سوياً، ويتم ذلك عن طريق تطبيقات وبرمجيات خاصة بحيث يمكن للمستخدم التفريق بينها والتفاعل معها، ومن الامثلة لفهم الواقع المعزز نشير إلى لعبة Pokémon GO .

إن العملية التعليمية في العصر الحالي دخلت عليها العديد من التحديثات والتطورات، ومنها تغير مسار التعليم من ناحية التفاعل والتحكم من قبل الطلاب في الفصل الدراسي، الأمر الذي يجعله ممكن نتيجة التطور التكنولوجي؛ ما يسمح بإدراج تقنيات الواقع الافتراضي والمعزز وتسخير ذلك في خدمة مسار التعليم ليصبح أكثر امتاعاً ورفاهية بتلك الوسائل التقنية الحديثة .

وكما أكدت عدد من الدراسات والأبحاث الحديثة على فاعلية دمج تقنيات الواقع الافتراضي والمعزز في العملية التعلمية، حيث أشارت دراسة (Estspa & Nadolny 2015) إلى الفاعلية الهامة لدمج هذه التقنيات في التحصيل الدراسي، وأثبتت على زيادة دافعية التعلم لدى طلبة الثانوية خاصة في مادة الرياضيات .

يهدف توظيف الواقع الافتراضي والمعزز في العملية التعليمية إلى مساعدة المتعلمين، ليتمكنوا من التعامل مع المعلومات وإدراكها بشكل أسهل، كما يمكنه أن يمدهم بطرق مختلفة لتمثيل المعلومات بشكل ديناميكي وبصري يساعدهم في التحصيل العلمي.

وكما هو معروف أن مراكز التعليم في مخيمات اللاجئين تفتقر لأبسط الأدوات العملية، لذا يمكن أن تساعد تقنيات الواقع الافتراضي والمعزز في سد هذا النقص، إضافة لذلك فإنها تحقّق المزيد من التفاعل في الشرح أثناء الحصص والمحاضرات، حيث يمكن للأساتذة استخدامها في عرض دروس ونماذج ثلاثية الأبعاد؛ هذا الأمر يساعد في جذب انتباه الطلاب ويمكنهم من استيعاب قدر أكبر من المعلومات في وقت أقل من خلال التفاعل مع العناصر التي يتم عرضها وتعزيزها داخل الفصل عن طريق تلك التطبيقات.

ولكن بسبب التطور السريع للتقنية بسرعة اكبر مما ندركها أحيانا، أصبح هناك من يؤيدون هذه التقنية ومن يعارضونها، ولكن حينما جربت اليونسيف استخدام هذه التقنية في العملية التعليمية لحوالي 500 طفل حول العالم في مخيمات اللاجئين من أجل اختبار فهم استخدام الواقع الافتراضي والمعزز عندهم، وجدو ان  97.5 ٪ من هؤلاء الاطفال يفضلون الواقع الافتراضي والمعزز بدلاً من اللعب على الأجهزة اللوحية.

أما في دراسة (الشريف وال مسعد 2017) في منطقة جازان للتعرف على أثر استخدام الواقع المعزز في مادة الحاسب الألي لـ 34 طالب في الصف الثالث ثانوي فقد كانت النتيجة أن درجات الطلاب الذين درسوا بهذه التقنية أفضل من الآخرين الذين درسوا بالطريقة التقليدية.

وتعد شركة IMISI 3D من أوائل الشركات في اعتماد دمج الواقع الافتراضي والمعزز مع العملية التعليمية في مخيمات اللاجئين في إفريقيا، وبدعم من اليونيسيف ستقوم هذه الشركة باستكشاف أفضل الطرق لتصميم المحتوى التعليمي وفقًا لاحتياجات العملية التعليمية بمدارس اللاجئين في نيجيريا، ويعمل فريقها حالياً على استخدام الواقع الافتراضي والمعزز في التعليم في مدرسة ثانوية للاجئين في لاغوس بنيجيريا تضم ما مجموعه 1143 طالبًا، ووفرت بذلك جودة أفضل للتعليم في افريقيا.

وتظل هذه التقنيات أفضل وسيلة لتوفير فرص التعليم لطلاب المخيمات الذين لا يستطيعون السفر طلباً للعلم، وفي المجالات التدريبية للشباب في مخيمات اللاجئين يمكن خلق بيئة أفضل لهم للتأهيل المهني والتعليم الجامعي، حيث تقدم شركات مثل  Campus Tours و YouVisit الآن جولات على مئات الجامعات من أجل تطبيق الواقع الافتراضي للتعليم فيها، وتساعد هذه التجارب الطلاب في المخيمات على الإحساس بالألفة والانتماء، وذلك من خلال التجول في جميع ردهات الحرم الجامعي ورؤية أنفسهم بين طلاب الجامعات الأخرى، كما يمكنهم الذهاب إلى مقاعد الدراسة او السكن الجامعي، حيث أنه يمكن من خلال النقر على مباني الحرم الجامعي، الوصول إلى أكثر من 1000 كلية، ليس هذا

فحسب بل يمكنهم مثل استكشاف مكتبة جيزلGeisel Library  في جامعة كاليفورنيا أو مختبر الهندسة الكهربائية في جامعة برينستون.

ونشير هنا إلى أنه في جانب التدريب المهني توجد محاكاة لأغلب المعامل التدريبية والورش المهنية التي تمكن الطالب في المخيمات من تعلم اي مهنة يريدها بشكل عملي عن طريق تقنيات الواقع الافتراضي والمعزز, كما فعلت مؤسسة CTE والمتخصصة في التعليم التقني والمهني في واشنطن والتي استخدمت تقنيات الواقع الافتراضي والمعزز لتدريب الطلاب على كيفية إصلاح السيارات وأيضا التدريب على السلامة في بيئة ثلاثية الأبعاد, كما أن هذا التقنيات تستخدمها عدة معاهد مهنية مثل  معهد هونغ كونغ للتعليم المهني لتعليم هندسة الطائرات ومهارات صيانة المباني, كما توجد تطبيقات GTA الافتراضية للتدريب يتم توظيفها للتدريب في مجال السيارات.

ان التدريب الواقعي على السيارات مكلف للغاية وتوفيره يكون صعباً في المخيمات، إلا أنه مع هذه التقنيات والتطبيقات يستطيع الطلاب في المخيمات ممارسة التدريب المهني مرارا وتكرارا، وبناء مهارات قوية.

كما أن لدى الواقع الافتراضي والمعزز القدرة على استبدال الكتب المدرسية بمواد تعليمية على شكل تطبيقات مما يجعلها أقل تكلفة، دون أن يتطلب ذلك توفير أجهزة باهظة الثمن، ونظرًا لأن 73٪ من جميع المراهقين يمتلكون حاليًا هواتف ذكيّة, يمكن أن يكون للتعلم التفاعلي تأثيراً إيجابياً كبيراً عليهم ، فهو يجعلهم منسجمين طوال الدرس ويجعل التعلم ممتعًا, التعليم بهذه التقنيات يكسر الجمود الموجود في الطرق التقليدية في التعليم ويساعد على التفاعل، حيث يشارك جميع الطلاب في عملية التعلم في نفس الوقت، مما يقود إلى تحسين مهارات العمل الجماعي.

الواقع الافتراضي والمعزز في التعليم يساعد الطلاب على تحقيق نتائج أفضل من خلال التصور والانغماس الكامل في الموضوع، فكما هو معروف قد تكون صورة واحدة تساوي شرح ألف كلمة، فبدلاً من القراءة النظرية، يمكن للطلاب رؤيتها بأعينهم وكأنهم جزء من الواقع.

التدريب الآمن والفعال في مكان العمل يمكن أن يكون فعالاً في التدريب في جراحة القلب أو تشغيل مكوك الفضاء دون تعريض أشخاص آخرين للخطر، ودون المخاطرة بالمال في حالة حدوث خطأ سواء تم استخدمه في ألعاب تعليمية لتدريب رياض الأطفال أو التدريب أثناء العمل، ولا تقتصر تقنيات الواقع الافتراضي والمعزز على حالة استخدام واحدة فقط أو فئة عمرية واحدة بل هو لكل الأعمار والمستويات الدراسية.

يقول المثل الصيني الشهير: “إذا لقنتني المعلومة أنساها، وإذا أريتني إياها أتذكرها، وإذا ناقشتني بها أفهمها”، ولذلك، يعتبر التعليم عن طريق الواقع الافتراضي والمعزز يجمع الفهم بالرؤية والنقاش والتفاعل داخل الفصل مما يزيد من جودة التعليم بشكل كبير.

لكن قد يواجه بعض المعلمين صعوبة في تطبيق تقنيات الواقع الافتراضي والمعزز، فقد تكون مهاراتهم التقنية ضعيفة، ما يصيب الطلاب بالنفور، ويتطلب استخدام الواقع الافتراضي والمعزز في الفصل الدراسي وجود قاعدة موارد معينة لأنه ليس كل الطلاب لديهم أجهزة هواتف ذكية، وفي ذات الوقت لا بد من الاهتمام بالتربية بجانب الاهتمام  بالتكنولوجيا, ولا بد أن تكون هناك دائمًا مقدمة وجلسة استخلاص للمناقشة والتفكير في ما شاهده الطلاب وهذا عمل دقيق صعب انجازه كما أن بعض الوسائل البرمجية ليست سهلة الاستخدام بالنسبة للأكاديميين.

 

كما ان هذه التقنيات تعتمد على لغات البرمجة من المستوى المتوسط إلى المنخفض. وبعض مكونات الواقع المعزز هي نماذج ثلاثية الأبعاد متراكبة على البيئة الحقيقية، وتتطلب هذه النمذجة ثلاثية الأبعاد مهارات في تطبيقات برامج التصميم, كما أن درجة الواقعية ما زالت محدودة .

وبسبب الدقة المنخفضة، والإضاءة غير الدقيقة تجعل ظهور الواقع الافتراضي بعيدًا، هناك حاجة إلى مزيد من التطوير في المحاكات والمسافات الحقيقية بشكل أفضل لتجعل الرؤية داخل الواقع الافتراضي كما في العين المجردة.

بدأ الباحثون في تسليط الضوء على مجموعة من الاعتبارات الأخلاقية غير المستكشفة في الغالب حول استخدام الواقع الافتراضي مع الأطفال. أهمها: يمكن أن يكون الواقع الافتراضي محفزًا قويًا للمشكلات العاطفية والنفسية الحالية، وقد بدأ العلماء للتو في فهم كيفية تأثير التعرض لبيئة افتراضية على أدمغة الأطفال ونمائهم.

تتمثل أزمة تعليم أبناء اللاجئين في المخيمات في غياب الفرص التعليمية الجيدة لهم، واكتظاظ الفصول، وزيادة عدد غير الملتحقين بالفصول الدراسية في المدارس ووجود عدد غير مقبول من الأطفال غير الملتحقين بالمدارس, وعدم توفر الأدوات و المعامل ومراكز التدريب المهني وقلة المال المخصص في الميزانية للعمل الافتراضي ، وقلة عدد المعلمين المؤهلين أو الأماكن في المدارس للاجئين، ولكن يمكن من خلال التقنيات

الناشئة مثل الواقع الافتراضي و الواقع المعزز تجاوز هذه المشاكل وتقديم الأمل في الحصول على تعليم أكثر فاعلية وقابل للتطوير وأفضل جودة بأسعار معقولة في مخيمات اللاجئين .

توصيات:

  • إجراء دراسات وبحوث متعمقة حول أزمة تعليم أبناء اللاجئين وتحدياتها وانعكاساتها سلباً على مستقبلهم.
  • وضع خطط واستراتيجيات للوصول على حلول مستدامة فعالة لتسهيل فرص التعليم لأبناء اللاجئين.
  • تطوير نماذج وتطبيقات تقنية جديدة لتوفير فرص التعليم لهم.
  • تعزيز فرص الاستثمار في استخدام التقنية الحديثة لتسهيل الفرص التعليمية لهم.
  • دعم بيئة التعليم التقني القائمة حالياً من أجل تطويرها لتتواكب مع التقدم التكنولوجي المستمر.
  • زيادة الانفاق الحكومي والدولي لتعليم أبناء اللاجئين في الدول المستضيفة لهم.
  • النظر لأهمية تعليم أبناء اللاجئين ليس فقط من أجل شعورهم بالحياة الطبيعية وإنما استثمار طوير الأجل في غاية الأهمية.
  • اعتبار توفير التعليم لهم يسد الفجوة بين العمل الإغاثي والعمل الإنساني
  • العمل على إدماج اللاجئين في أنظمة التعليم الوطنية للدول المستضيفة لهم.

 

تنويه : المقالات المنشورة باسم أصحابها تعبر عن وجهة نظرهم ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر المنظمة

عن التحرير

شاهد أيضاً

جريمة التعذيب في ضوء القانون الدولي

يشكل التعذيب أحد أكثر الانتهاكات خطورة لحقوق الإنسان، لأنه يعتبر هجوما مباشرا على جوهر الكرامة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.