أ. رهاف سعد السهلي
المشرف على مركز المعلومات والدراسات والتوثيق.
المنظمة العربية للهلال الأحمر والصليب الأحمرلا يمكن تحقيق السلام دون الحفاظ على الموارد الطبيعية التي تحافظ على سبل العيش. لذا لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، علينا أن نعمل بجرأة من آجل الحد من عوامل التدهور البيئي والتغير المناخي في النزاعات والالتزام بحماية كوكبنا من الأثار المدمرة الناتجة عن الحروب. وتولى الأمم المتحدة أهمية كبيرة لضمان العمل المتعلق بالبيئة كجزء من استراتيجيات منع نشوب النزاعات وحفظ وبناء السلم، لأنه لا يمكن أن يكون هناك سلام دائم إذا تم تدمير الموارد الطبيعية التي تدعم سبل العيش والنظم الإيكولوجية.
الإسلام والاستدامة البيئية في الحروب
على الرغم من أن الإنسانية تحسب دائمًا خسائر الحرب على أساس القتلى والجرحى من الجنود والمدنيين وكذلك الاقتصاد والمدن المدمرة وسبل العيش، إلا أن البيئة ظلت في كثير من الأحيان ضحية أعمال الانسان المدمرة جراء الحرب، مثالاً على ذلك، تلوث آبار المياه والتربة، وحرق المحاصيل والمزارع، وقطع الغابات، وحتى قتل الحيوانات ونشر الأوبئة. وعليه جاء الدين الإسلامي الحنيف لردع ذلك التصرف المخالف لقيم وأخلاق المسلم بالنهي عن تدمير الأشجار والمحاصيل الزراعية حتى خلال أوقات الحرب، ما دام وجودها لا يزال مفيدا للعدو. مع الاهتمام الكبير بالزراعة المستدامة للأرض، والمعاملة الإنسانية للحيوانات، والحفاظ على الموارد الطبيعية، وحماية الحياة البرية في الحث على الاستدامة البيئية حتى في أوقات الصراع. كما حث الرسول – صلى الله عليه وسلم – أنه لا ينبغي استغلال الموارد الطبيعية بشكل مفرط ولا ينبغي إساءة معاملتها. وبذلك جاء الرسول بضرورة إنشاء مناطق لا يمكن انتهاكها، تعرف باسم “الحرم” أو “الحمى”، حيث تترك الموارد فيها دون أي اعتداء او ضرر وتحديد مناطق حول الآبار ومصادر المياه لحماية المياه الجوفية. أما الحمى فقد طبقت على الحياة البرية والغابات.
تأتي حقيقة الصراع على الموارد الشحيحة، مثل المعادن والأسماك والمياه، وخاصة الأراضي مصدر تقليدي للكفاح المسلح. حتى الآن، كان هناك الكثير من الجدل والقليل من الدراسات المنهجية حول التدهور البيئي الناتج عن الحروب وزيادة ندرة الموارد. فالعلاقة بين الموارد والبيئة والنزاع المسلح قد تكون أهم أسباب هذه الظاهرة هي نقص في التوعية بـ “الصراع البيئي”، وإهمال التغيرات البيئية التي وقعت في الآونة الأخيرة وتأثيرها القوي على المجتمع والفرد.
مبادرات التعاون كأدوات لحفظ البيئة
واعترافا بالروابط بين البيئة وانعدام الأمن، دعا الأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي عنان إلى دمج المبادرات البيئية لحل الصراع وعدم الاستقرار في سياسة منع الصراع التابعة للأمم المتحدة. لذلك، إذا كان التدهور البيئي يمكن أن يؤدي إلى الصراع والعنف، فيمكن استخدام مبادرات التعاون البيئي كأدوات للحفاظ على الاستقرار والسلم. هذا يمكن أن يخلق حوارًا بين الأطراف المتنازعة. حول التحديات البيئية، مثل التلوث الصناعي، هي قضايا عالمية تتجاهل الحدود السياسية. تتطلب هذه التحديات منظورًا طويل الأجل لتحقيق الإدارة المستدامة. علاوة على ذلك، يمكن للتعاون البيئي أن يبني الجسور عبر الحدود وبين الناس، ويعزز بناء سلام واستقرار أكثر استدامة وخطوة أولى لبناء السلام بين الشعوب وبدء الحوار بين الأطراف المتنازعة حتى بالنسبة للنزاعات غير البيئية.
البيئة والنزاعات في المنطقة العربية
في النزاعات والحروب في منطقتنا العربية، هناك حاجة ماسة إلى نهج جديد للاستدامة في المنطقة العربية ويعد العالم العربي أرضًا قابلة لإعداد آليات مستدامة للسلام والأمن الإقليمي باستخدام البيئة كأداة للسلم من خلال تطبيق القيم الاسلامية للأدوات التقليدية لحفظ البيئة، مثل الحمى والحرم وذلك من أجل التآزر البيئي والالتزام بالقانون الدولي الإنساني بهذا الخصوص.